الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

الفرصة التي ضاعت .. دمشق بين الشوك والشوق - بقلم : نارام سرجون
April 14, 2013 12:17

 

 
  مشكلتي يادمشق لم تعد في اللغة التي أكتب بها .. بل مشكلتي هي أن اللغة ومفرداتها تريد أن تقاتل أيضا وأن تخرج رغما عني من صفحات القواميس وهي تحمل حروف الألف كالرماح العالية ..ومشكلتي يادمشق أنني لاأتحمل أن أرى الشوك في عيونك والشوق في عيوني ..ومشكلتي أنني ان أطلقوا عليك النار .. تدفق من شفتيك دمي..   
ولكن اما آن الأوان لنزرع قلب المؤامرة - الثورة شوكا .. وأن نسكب في دفترها المسامير وسطورا من الأسرار التي تشوي الوجوه كالمهل .. وأن نصب في عينيها شيئا من الحديد المصهور في كواليس السياسة؟؟ ..
سأسكب اليوم في كؤوس الثوار وفي الجماجم التي يشربون بها عبارة فاصلة كثيفة ساخنة جدا ومركزة جدا طعمها مر كريه .. والعبارات الفاصلة مختصرة جدا وكثيفة جدا ومركزة ولكن هضمها صعب على من اعتاد تناول حساء الكذب الثوري والاوهام الرخوة للربيع العربي ومضغ الدود الطري الذي يتلوى على وجوه الصحف العربية ويلتف على سطورها ويتدلى من فم مذيعات الجزيرة والعربية ويتأرجح على أقراطهن ويندس في شنبات حمد بن خليفة وينام في خياشيم حمد بن جاسم  .. ربما ستكون هذه العبارات الفاصلة هي أول عبارة من عبارات "النهاية" لما سمي الثورة السورية .. فقد دخلت هذه العبارة الى قاموس الربيع العربي منذ أسابيع قليلة وتسربت الي منذ أيام .. واهتزت من وقعها الكواليس الغاضبة في أنقرة والرياض والدوحة .. عبارة ستحل ضيفا ثقيلا على مجالس الثوار وعلى كواليس الثورجية .. وهي الوصف الذي أنهى به أحد الديبلوماسيين الغربيين حواره مع وزير الخارجية التركي الذي صعق تماما من الكلام المسكوب في اقداح السياسة التركية الحمقاء .. فقد قال الديبلوماسي الغربي بلهجة الأسف: أعتقد ان فرصة العمر للتغيير في سورية ضاعت منا .. ربما الى الأبد .. ويجب التفكير بان لانضيع فرصة العمر في بيع أوراقنا للأسد بأغلى ثمن ..
يعجبني في الساسة الغربيين قدرتهم المدهشة على اختصار المعادلات وتكوير الأرقام وفن تقديم الخلاصات في توقيت محسوب للغاية .. وهي عملية ناجمة عن منهج تعليمي صارم في أوروبا يعتمد اختصار كل شيء بأقصر التعابير مثل معادلة قصيرة فيزيائية .. فهذه العبارة ذاتها قالها هيثم المناع في بداية الأحداث عندما كان يروج لما يحب تسميته بثورة الكرامة .. وقد قالها وهو يجلس الى جانب سفير اسرائيل في قطر (الجاسوس عزمي بشارة) .. وقال بالحرف: ان هذه فرصة قد لاتتكرر الا مرة كل مئة سنة وربما أكثر .. وهو كان يعني مايقول لأنه كان قادرا على رؤية مدى الاندفاع العالمي والعربي الخليجي والاقليمي لاستئناف هجوم الربيع العربي نحو سورية .. وماقاله كان نقلا عن رؤية أوروبية حقيقية وغالبا ماكان انعكاسا لما سمعه في الكواليس الغربية .. أي أن هذه الظروف المتمثلة في الشهية الأوروبية لعودة الاستعمار مع نوايا تركيا العثمانية ووقاحة عرب النفط في التعبير عن وجهة نظرهم الموالية للغرب بعد غياب الحارس المصري (تيار عبد الناصر وهزيمته في مصر) والحارس العراقي (غياب تيار صدام حسين في العراق وهزيمته) .. وبقاء دمشق وحيدة دون معين حتى من صوت القذافي النزق .. والسطو على الحارس الاسلامي .. بالفتنة .. 
استنتاج الديبلوماسي الغربي بأن فرصة العمر في سورية ربما ضاعت الى الأبد لم يكن تخبطا في الهواء والفراغ بل ادراكا عميقا منه للحقيقة سببه تحركات عسكرية لم تكن مرصودة في المنطقة الوسطى والشمالية والأطواق العملاقة المفروضة حول ريف دمشق .. ورصد لكم ونوعية السلاح الذي يتم تذخيره لأول مرة بهذه الكثافة .. ويشير تقرير صادم الى معركة جرت على أطراف دمشق في شهر آذار الماضي واستمرت فقط أربع ساعات .. كانت حصيلتها مئات القتلى من المعارضة المسلحة اضطر فيها الجيش الى رفع جثث المسلحين بالجرافات .. اذ استعمل الجيش فيها تكتيكات جديدة وأسلحة أكثر فتكا وضراوة .. واذا استمر الحال على ذلك فان الجيش السوري الذي وقعت المعارضة تحت رحمته سيتمكن خلال شهرين من اخراج عشرات الآلاف من مسلحي المعارضة من المعركة وعلى ارغام عشرات الآلاف على التراجع الى ماخلف الحدود أو الاستسلام .. وحسب الرصد الغربي فان هذه الاستعدادات قد أخذت شكلا يبدو ان القيادة السورية تريد أن يذهب أوباما للقاء الرئيس بوتين خالي الوفاض وليس في جيبه ورقة واحدة مهمة .. سيكون بوتين يملك كل الأوراق ويحمل رسالة سورية واضحة بينما يجلس أوباما بيدين فارغتين وليس في جيبه الا خرائط ألعاب كومبيوتر للملحق العسكري صفوت الزيات .. ولن يكون في حقيبته الا الخليفة (معاذ الخطيب) وجاريته الفنانة سهير الأتاسي والامبراطور "هيرو- هيتو" ..
اهم ورقة كان يمكن لأوباما ان يمسكها على الطاولة هي المسلحون الذين يهدد بهم وبتسليحهم وتقوية شوكتهم .. وماسيفعله الجيش السوري بتحركاته الحالية هو نزع هذه الورقة من يده وتمزيقها امام عينيه عبر عملية تحطيم لكل البؤر المسلحة الخطرة وامتصاص كل طاقتها العسكرية .. وعلى أوسع نطاق .. على الطاولة لن تكون كتلة مقاتلة ذات شأن بيد أوباما..
المنقذ الوحيد برأي جميع الغربيين هو تدخل الناتو مباشرة أو اتخام الثورة بالسلاح النوعي الى الحد الأقصى لنزع تفوق الجيش السوري وتقوية مخلب التمرد .. وقد حاول الأتراك باستماتة ادخال أي من هاتين المعادلتين وعمدوا مع القطريين على الاستيلاء بوقاحة على الجامعة العربية وركوب ظهر القمة العربية من أجل شيء واحد فقط هو شرعنة الطلبين الثمينين 1- تسليح المعارضة 2- طلب مساعدة الناتو  ... وسيتحقق هذا باجلاس الائتلاف في موقع الوفد السوري لالباس الطلبين صفة طلب رسمي سوري لاحراج الناتو وتخفيف تردده أمام الرأي العام الغربي لأن السياسيين الغربيين كانوا يتذرعون بغياب الشرعية لهذا الطلب في ظل الفيتو الروسي وغياب تكليف عربي أو طلب رسمي من جهة سورية معتبرة .. ولذلك تم تشكيل حكومة لهيتو وتم شحن معاذ الخطيب بصندوق واقتياده الى تلك الجلسة حتى دون سؤاله من أجل ان يتفوه بطلب تدخل الناتو .. ولكي تتم شرعنة التسليح عربيا على الأقل .. ولكن الناتو رد على المشحون بالصندوق بتسليمه مغلفا وصل بالبريد السريع فيه عبارة واحدة تقول: نعتذر عن قبول الطلب.. 
ولايخفي بعض السياسيين الغربيين تشاؤمهم الشديد ازاء مصير مايسمى بالثورة السورية .. بل ان اسم هيتو وحده أثار غيوم الشؤم بشكل ساخر لدى المتابعين .. فهناك تشابه بين شؤم ظهور غسان هيتو السوري وظهور هيرو هيتو الياباني ليعلن استسلام اليابان .. فالامبراطور هيرو هيتو يعتبر في اليابان ابن الشمس ولم يكن يسمح لليابانيين برؤية صورته أو صوته لقداسته ولكن الأمريكيين اشترطوا لقبول استسلام اليابان بعد الضربة الذرية لاذلال اليابنيين أن يعلن ذلك امبراطورهم المقدس ابن الشمس بصوته المقدس الذي لم يسمعه أحد .. وكان صوت هيتو القادم من الظلام اعلان نهاية اليابان كأسطورة عسكرية الى الأبد .. وظهور هيتو السوري "ابن الشمس الثورية المقدس" نذير شؤم وله دلالات على موت الثورة ..
على كل حال فان المعطيات التي يتداولها الغربيون بهدوء عن الرأي العام السوري الذي تنقله لهم وسائط استخباراتهم من بين معسكرات اللاجئين السوريين ومن التجمعات السكانية الكبرى تشير الى أن شعبية الثورة وجماهيريتها تعيش أسوأ مايمكن ان تعيشه ثورة ولم يبق لها الا بؤر متناثرة تراجع زخمها الشعبي بشدة .. وأهم هاجس يسيطر على الناس حتى في البؤر المتمردة هو أن النظام لن يسقط ولكن الى أين تسير الثورة؟؟ ويقول أحد التقارير ان نفس الجواب تسمعه منذ سنتين أي الى النصر ان شاء الله دون أي فارق في المفردات .. لكن تحس بالفارق الشديد بنوع الحماس وبمدى اليأس عند قوله الآن مقارنة بما كان يحيط به من حماس منقطع النظير منذ بضعة أشهر ..  وهي بحسب هذه التوصيفات حالة احتضار تدريجي للبؤر .. ويعزو المتابعون هذا التراجع في الزخم الشعبي في أوساط مؤيدي الثورة الى أن الثورة فشلت فشلا فاق التصور في تقديم اي ضمان عن المستقبل السياسي والاجتماعي لسورية أو حتى أي ضمان بالنصر .. اضافة لوضوح معنى غياب دولة قوية وتفاقم الفوضى في المناطق التي سيطر عليها المسلحون وغياب القانون الذي ولد ديكتاتورية عمياء مجنونة وهذا من اهم اسباب الحنين للديكتاتورية الوطنية السابقة .. كما أن القيادات الميدانية الجاهلية والمراهقة والتي كانت تستمد سلطتها من اسم الفوضى الثورية المبررة لم تعد مقبولة بعد عامين..والناس الذين يعيشون في المناطق التي تعتبر محررة يعبرون صراحة عن أنهم يرتاحون أكثر لدى دخول المناطق الخاضعة للاستبداد (كما يصفونها) ..
الاعلان عن تكامل جبهة النصرة مع تنظيم القاعدة هو لعبة تلعبها تركيا في الوقت الضائع .. فالأتراك ويساعدهم القطريون والسعوديون يلقون بكل الأوراق لابتزاز الاوروبيين لدعم خيار التسليح ولتخريب لقاء بوتين وأوباما ؟؟ وهم بهذا الاعلان لايورطون الجيش الحر والمعارضة السورية بالعمل مع قوى ارهابية .. بل جاء هذا الاعلان وبهذا التوقيت بالذات بعد أن توصل الجميع الى أن الجيش الحر لم يعد بالامكان تعديل منحى اندحاره وانكساره في المعطيات الميدانية .. وأن رميه في البحر لايهم الآن حتى قائده الصوري رياض الأسعد بتروا رجله .. لكن ربط جبهة النصرة بالقاعدة جاء لابتزاز الاوروبيين بأن عدم تحرير سورية سيجعلها موقعا متقدما للقاعدة لتهدد مصالح أميريكا في كل الشرق .. من تركيا وحتى السعودية .. والأهم أن القاعدة ستكون قريبة من اسرائيل على حد زعم هؤلاء .. ويجب اسقاط النظام لتولية اسلاميين معتدلين مثل الاخوان المسلمين الحكم قبل انتشار القاعدة .. وفي حال أراد الغرب التنصل من الاتفاق مع الروس والسوريين فسيقولون اننا نتحكم بالمعارضة ولكن القاعدة ليست لنا قدرة على التحكم بها ..
ومن هنا نلاحظ أن الصحفي الطبال عبد الباري عطوان الذي يبدو مستقتلا ليهزم الجيش السوري قد خصص (مع غيره) عدة مقالات يلمح فيها الى أن الجيش السوري يخلي مواقعه للقاعدة ويفرغ الجولان من الجيش النظامي ليحرج الاسلاميين باسرائيل المفتوحة على مصراعيها .. يريد عطوان (الابن الروحي للقرضاوي) أن يقول ويزعم زورا ان القاعدة صارت على حدود اسرائيل اذا لم تسقطوا النظام السوري وتسلموا البلاد للجيش الحر والاخوان المسلمين والنظام سيتخلى عن حماية اسرائيل وتكون هي عرضة للقاعدة لأن النظام يقوم بابتزازكم بترك المواجهة لاسرائيل والانكفاء نحو دمشق خوفا من انهيارها .. وقد غاب عن طبل الطبال عبد الباري أن الجيش السوري لن يترك الجنوب مهما حدث .. وغاب عن طبل الطبال أن القاعدة لو وضعت في أنابيب تل أبيب فلن ترفع حجرا على اسرائيل ولن تبول في حمام اسرائيلي .. بل أطل الظواهري من جحره في تورا بورا وكشف عن توتره وهو يهاجم حزب الله وايران وسورية وهم الوحيدون الذين يريدون الشر باسرائيل .. وأتحدى عطوان وكل قبضايات القاعدة أن يطلقوا طلقة واحدة على اسرائيل من الآن وحتى عشرة أعوام .. فاسرائيل هذه موجودة بكل حدودها للاختراق منذ عقود .. ورجال حزب الله خردقوها بالتسلل حتى الجليل ومن البحر ومن صحراء سيناء ومن غزة من أنفاق حماس (قبل أن تموت حماس) .. ولم يطلع علينا قبضاي واحد من القاعدة يفقأ عيوننا برصاصة في اسرائيل أو يطلق ريحا من قفاه في اسرائيل .. حدود الاردن مع اسرائيل طويلة جدا وهي أطول من حدود لبنان وسورية والتسلل منها سهل ويمكن ادخال فرقة كاملة خلال يومين ويمكن حفر ملايين الأنفاق لاختراق الحدود .. لكن كل القاعدة تتسلل عبر لبنان الى سورية ولايوجد قاعدي واحد منذ حرب أفغانستان تسلل أو حاول التسلل الى اسرائيل من الأردن أو اية بقعة في العالم .. ولم يضرب قاعدي واحد هدفا اسرائيليا حتى في قطر نفسها حيث عش القاعدة ..
في تحليل ملفت للنظر الى مراحل الأزمة السورية هناك تحليل يتم تداوله من غير ضجيج وبصمت وهو مكتوب من قبل أربعة ديبلوماسيين غربيين سابقين عمل أحدهم سابقا في دمشق (وأعرفه شخصيا) وأحدهم في بيروت في التسعينات من القرن الماضي .. ويخلص التحليل الى أن من رسم مشروع التدخل في سورية واحداث التغيير اعتمد على التركيز على العامل الخارجي الكثيف لدعم معارضة داخلية هشة لينفخ فيها لتبدو كبيرة في حجمها .. لكنه توقع أن أقوى أعمدة النظام لمواجهة هذه المعارضة هو المنظومة الأمنية الشرسة التي حمت النظام لعقود وهي (باعتقاده) التي لجمت الجيش السوري وتحكمت به على غرار كل الديكتاتوريات .. ولتحرير الجيش واطلاقه يجب الاجهاز على القدرات الأمنية بسرعة .. فتركز العمل الدؤوب على اختراق هذه المنظومة واستغرق ذلك بضعة سنوات (ربما كانت البداية في لبنان عبر تجربة غازي كنعان) .. وتكلل هذا العمل الدؤوب بعمليات استخبارية ناجحة توجها انجاز اغتيال عماد مغنية .. وبعض الكوادر الأكثر خطرا على اسرائيل والمصالح الغربية وكانت ذروتها اغتيال خلية الأزمة والضباط السوريين القادة في تفجير مبنى الأمن القومي ..
لكن المفاجأة القاسية كانت أن من رسم الخطة تنقصه الدراية الكاملة بعملية تفكيك الجيوش الوطنية والاعتقاد أن الجيش يتبع المؤسسة الأمنية الراسخة وأن مجرد انهيارها سيتلوه انهيار الجيش أو تمرده على الأقل .. وكانت المفاجأة أن الذي كان العامل الحاسم في المعركة هو الجيش نفسه الذي حمى كل المؤسسات .. وليس صحيحا أن مجرد الدعم من قبل الحلفاء هو الذي حمى الدولة .. فماذا سيفعل الحلفاء ان تمرد الجيش على دولته؟؟ .. فعدم التركيز على أهمية الجيش جعل حجم الانشقاق فيه محدودا للغاية وفشل في اخراج القوات الضاربة والوحدات المحاربة ضد النظام وكان أقصى خروج هو خروج أفراد وانشقاق مناف طلاس من دون وحدته أو فوجه .. المخططون اعتقدوا أن تفكيك واضعاف المؤسسة الامنية هو الذي سيدفع النظام الى الارتباك الشديد واهتزاز الثقة ثم الانهيار وسيتلو ذلك تفكك تلقائي أو انحلال للجيش اما بسبب الفوضى أو بقرار تقوم به قيادات الثورة المندفعة الى السلطة (شبيه بقرار بول بريمر الذي حل الجيش العراقي) بحجة تطهير الجيش من مخلفات النظام السابق .. ويعتقد هؤلاء الديبلوماسيون أن العمل المضني أثمر في الاختراق الأمني الذي بدا واضحا في أن القادة السوريين فوجئوا بحجم الاستعداد والسرعة في ظهور السلاح والمسلحين دون أن يكون الجهاز الأمني قد تنبه الى تدريب مئات المسلحين في دول الجوار ودخول آلاف من قطع السلاح .. وان المعلومات المبعثرة لديه عن تحركات غريبة لم تخضع لعملية تقاطع بين الأجهزة الأمنية السورية فلم ترصد بكفاءة كافية أو بانسجام ما يدق فيه ناقوس الخطر..
لكن تبين أن هذا التفسير ينم عن عدم دراية كارثي بحقيقة الوضع السوري لأن ماتبين هو أن الجيش القوي هو من يحمي النظام والدولة ويحمي أجهزة الأمن وليس أجهزة الأمن من يتحكم بمفاصل البلاد .. ولذلك كان يجب تفكيك الجيش كشرط رئيسي للتغيير في سورية وليس ابقاءه .. ولاشك ان من ينظر الى تجربة العراق وليبيا فسيجد ببساطة أن التجارب الناجحة في التغييرات السابقة كانت بسبب ضرب الجيش وتحطيمه .. ففي العراق تم ضرب الجيش العراقي مباشرة عبر التصادم معه .. وكذلك في ليبيا .. ولكن في سورية كان من المستحيل التصادم مع الجيش السوري لأن من رسم المخطط أذكى من أن يذهب الى حد التصادم معه لأنه كان يعرف أن الجيش الايراني سيدخل في المعركة العلنية وستكون مدن اسرائيل وجبة من الوجبات المفضلة أثناء القتال .. لذلك كان على المخططين ان يعتمدوا على فكرة التركيز على اختراق الجيش وليس الأمن وعلى نسف وتفجير الجيش السوري من الداخل عبر ألغام الانشقاقات الكبرى وجذب كبار الضباط والوحدات الضاربة لاعلان التمرد .. عندها ستنهار المنظومة الأمنية ومؤسسات الحكم..كما تحدث انهيارات الثلوج والجبال القطبية بارتفاع درجة الحرارة..    
ماحدث اذا هو أن الجيش السوري كان صمام الأمان الحقيقي مما جعل حجم الخرق الأمني غير مهم لاحداث انهيار متسارع فتمكنت الأجهزة الأمنية من التماسك واعادة تنظيم عملها وعمل اداراتها واستعادة زمام المبادرة بشكل لافت بعد مرور بضعة اشهر على اندلاع الأزمة واستطاعت اعادة هيكلتها بشكل فعال لتقود المعركة الاستخبارية بفاعلية وتنسق مع الجيش في محاصرة البؤر والقيادات المسلحة .. ويشير التقرير  في سياق رؤيته الاستعراضية البانورامبة الى أن: .. "الأسد الأب" عانى في الثمانينات والتسعينات من ضعف الجيش بسبب ضعف الامكانات والاتفاقات العسكرية مع روسيا يلتسين ومابعد الاتحاد السوفييتي .. ولكنه عزز - لتقوية حكمه ودولته - من قوة الجهاز الأمني واتخذ قرارا استراتيجيا بالاعتماد على التسلح الذاتي ماأمكن عبر عمليات تصنيع السلاح الصاروخي كسلاح رادع وموازن لكسر تفوق اسرائيل في القوى الجوية .. ولكن في عهد "الأسد الابن" فان الجيش السوري عاش أكثر مراحله نموا في الطاقة العسكرية والخبرات واستفاد من تدفق السلاح والخبرات الايرانية بلا حدود ومن عودة روسيا بوتين .. وكان الأسد الابن يعول كثيرا على تطوير الجيش بعد هزيمة الجيش العراقي وصار له بحق أقوى جيش عربي حتى الآن .. وهو بمقاييس العسكريين خليط من تقنيات وحدات الكوماندوز والوحدات الضاربة الاستراتيجية ليصبح معادلا حقيقيا وموازنا لغياب جيشي العراق ومصر .. وبالمقابل فقد اعتمد "الأسد الابن" سياسة داخلية أكثر حرية وانفتاحا مما قلل من الاعتماد على سطوة القوة الأمنية التي رعاها الأسد الأب .. وهذا ماساعد في تقليل متانة الطوق الأمني مما مهد للاختراق .. ولو مؤقتا..
ومن هنا كانت الخلاصة في التقرير أن عملية التغيير في سورية فشلت نهائيا بسبب خطأ استراتيجي في الحسابات بالاعتماد على اضعاف الحلقة الأمنية كما حدث في تونس ومصر وليبيا والعراق ولم يقم الجيش في هذه الدول الا بدور المحايد أو التابع للأحداث وليس المؤثر فيها فتبين ان النظام السوري له طوق نجاة أكبر وأقوى هو الجيش .. ولذلك لابد في اي خطة قادمة في السنوات المقبلة من التركيز على  اختراق جهاز الأمن والجيش معا في نفس الوقت ..
لذلك فان من يسأل عن مستقبل الثورة فانني أحيل سؤاله الى مجموعة الأسئلة التي تتحول شارة استفهامها الى اشارة تعجب مدببة كالسيف الذي يخترق بنصله العين ويطعن العقل في عينيه ..مجموعة (فرصة العمر التي ضاعت).. 
 وهناك أسئلة تجمع فيها كل قسوة اللغة ونذهل ونحن نقرؤها ولانفيق من ذهولنا وعيوننا تمر عليها الا عندما تصطدم بشارات استفهامها الصلبة التي تتلوها .. حادث تصادم مروع بين العقل والسؤال عند شارتي الاستفهام والتعجب .. يتحطم السؤال ويتحطم العقل وينزف المشهد بغزارة..سؤال مثل .. هل تهزم  سورية بعد كل انكشاف هذه المقدمات والأسرار؟؟ .. في السؤال ستتحطم شارة الاستفهام وتتهشم المقدمات وتندلق جرار الأسرار .. ولايبقى منه الا .. سورية .. بنت الشمس .. من يطفئ بنت الشمس؟؟


 



  عدد المشاهدات: 1078

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: