الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   ثقافة و فن   

قراءة في رواية "شهب من وادي رم" لبشرى أبو شرار- يوسف الشاروني
February 04, 2014 11:05

قراءة في رواية "شهب من وادي رم" لبشرى أبو شرار- يوسف الشاروني

هذه هي الرواية التاسعة للمبدعة الفلسطينية – المصرية بشرى أبو شرار ، إلى جانب مجموعاتها القصصية التسع. ومعظم قصصها مستوحاة من وطنها المغتصب فلسطين حيث تحول الاستعمار العسكري والاقتصادي إلى استعمار بشرى طرد أهل البلاد ليحلوا محلهم من مشارق الدنيا ومغاربها في حلقة من حلقات التاريخ تكررت منذ آلاف السنين على أرض فلسطين وتعترف بها التوراة وتاريخ المنطقة .

ومحور روايتنا إحدى الأسر الفلسطينية المكونة من الأب سهيل فابنه عائد (لاحظ الاسم) وبناته : فدره ، وشقيله ، ومرمره ، وريحانه ، وهجرو ، ثم زوجة الأب هريدية التى تمثل أحد العناصر السلبية في روايتنا .

وأبرز ما تتميز به روايتنا هو قالبها الروائي الذي نتلقاه من أربع من شخصياتنا الروائية أو من شهب وادي رم هن على التوالي : فدره ، شقيله ، هجرو ، مرمره. وربما كانت الأناجيل الأربعة – في حدود علمي – هي أول رباعية عرفتها البشرية ، لكن يرويها أربعة من حواريي المسيح ، كلُُّ يرويها من خلال رؤيته وخبرته مع المسيح خلال حياته التي اكتملت وهو في الثالثة والثلاثين، وتتكامل الروايات لتقدم رؤية شاملة لرسالته ومراحل حياته كلُُّ من زاويته. وقد عرف تاريخنا الروائي المصري المعاصر ثلاثيات ورباعيات لعل من أبرزها رباعية "الرجل الذي فقد ظله(1962) " لفتحي غانم ، والتي لا تروى قصة شخصية واحدة كما في الأناجيل الأربعة ، بل نتلقى رواية أربع شخصيات كل منهم في علاقته بالآخرين (راجع : يوسف الشاروني ، رحلتي مع الرواية ، الرجل الذي فقد ظله ، دار المعارف ، 1986). أما في روايتنا فنحن نتلقى أحداثها عن هذه الشخصيات الأربع كل منهن ترويها لنا مبدعتنا بالنيابة عنهن. وتتفاوت أقدار الإبن والبنات ، فعائد يموت في معركة مع العدو ممثلاً أو رمزاً للشهداء الفلسطينيين "يسقط كقمح كُسر – عوده ، وكلمات لرفاقه يودع فيها الحياة : من كان كنعانيا (فلسطينياً) سيظل إلى الآبد ، لن يحكمنا الغرباء الموسويون" (الصهيونيون ص152) أما الشهب أو البنات فإن مصائرهن تختلف باختلاف شخصياتهن وما ترمز إليه كلُُّ منهن .

-1-

فالشهاب الأول "فدره" شخصية متطورة ، بلغت الثامنة ولا تعرف نطق الحروف ، أنفها مفلطح كبير عن باقي أنوف أخواتها ، تحلم على صخور الوادي الملساء ، تعيش في طين الأرض ما بين الأعشاب البرية ، تقطف أوراق النباتات الهائمة ، تفركها ما بين أصابعها. معلمتها تعلن أنها لا تعرف شيئاً ، لا تذكر شيئاً، ولا تجيد شيئاً. تكتب كلمة "غبية" على فرخ ورق تعلقه على ردائها المدرسي بدبوس ، "وهريدية" التى أخذت مكان أمها بعد وفاتها تنعتها أيضاً بكلمة غبية ثرثارة لا نفهم لها حديثاً لأنها قد تبتلع كلماتها فتصرخ فيها هريدية أن تغيب عنها وإلا شقت ثيابها فتسرع فدره وتختفى بينما تعلن زوجة أبيها أنها ستذهب بها غدا إلى مدرسة اللاجئات لأنها لا تفهم شيئاً (صفحات 7 – 8) .

لكنها حين ذهبت إلى مدرسة اللاجئات وجدت من يقف إلى جوارها رغم الفناء القبيح ذي الرمال الصفراء ، والجرس الحديدي الصدئ والزى المدرسي متغير الألوان ، فالجوهر غير المظهر ، لقد تلقتها مديرة المدرسة بترحاب "أهلا بفدره الجميلة" ، كلمات المديرة تسبق خطواتها بأنها فدره الجميلة ، فبدا الصباح نديا في عيونها" (ص9) وتتابع مبدعتنا بشرى أبو شرار تطورات شخصيتها معلنة أن ليل بطلتها يلاقى نهارها في جلد لتكون "الأجمل والأحسن" (ص9) .

لكن فدره لا تستأثر وحدها بهذا الفصل وإن كانت بطلته ، فهناك المقابل السلبي ، تلك هي هريدية زوجة أبيها التى تقوم بالدور الهادم المعاكس لتطور فدرة الإيجابي فتكلفها بأعمال البيت كغسل الأواني " فتشد الكتاب الذي ركنته فوق الصنبورين تواريه في الرف الأسفل للحوض لئلا تراها هريدية تقرأ أثناء غسل الأواني" (ص10) وهكذا أصبحت فدره تعيش حياة ثنائية مستعبدة لزوجة أبيها ، ومنطلقة في آفاق المعرفة : ديكارت أنا أفكر إذن أنا موجود ، وبيتهوفن (وليس نيتشه كخطأ مطبعي) كل العواطف البشرية السامية في السيمفونية الخامسة ، الخلية وبداية التكوين ، وخلقنا من الماء كل شئ حي ، كلمات لكل البدايات التي نسجت منها أطراف حكايتها(ص11). وهكذا كانت المفاجأة التي أذهلت الجميع بتفوق فدره في كل العلوم حين حصلت على شهادة الإعدادية. ورغم ذلك يتواصل الصراع الدرامي بين فدره وزوجة أبيها هريدية التي لا تريدها مواصلة دراستها "أما الدروس فلا وقت لدينا ، أتفهمين" (ص12). بينما والدها سهيل بشخصيته الباهتة نسمعه يهمس معلقا: عفاك الله يا فدره وقدرك على ما تعملين (ص12) بينما تود أن تقول أو تصرخ فيه : أسمعني صوتك يا أبي ، أين أنت؟ (ص13). يوما تتوق إليه يطوقها بين ذراعيه ، لكنه بعيد في عالم لا تعرف عنه شيئاً (ص13) وهريدية لها بالمرصاد كلما لمحت طيفها تحمل كتابا نادت بأعلى صوتها: هيا لمسح الأرض. أراها غير نظيفة (ص15). ورغم كل هذه القيود فقد كانت هناك طاقة تطل منها فدره ، وذلك حين كانت تخرج من محبسها لأداء امتحاناتها النهائية. وحين أذيع خبر الناجحين ودرجاتهم كانت فدره هي المتقدمة للمجموع ، "تفوقت فطوت ليلها على الأمل باقترابها من عتبات الجامعة" (ص17). وهكذا رغم ما وضعته مبدعتنا أمام بطلتها من عراقيل تهزم أي إنسان، فإنها أوجدت لها ثغرة تنفذ منها لتثبت لنا أنه يمكن أن يخرج لنا من الآكل أُكْلاً ومن الجافي حلاوة .

وكانت نقطة التحول الحاسمة في حياة فدره حين اصطحبتها هريدية بدعوى زيارة أقاربها "خلف وادينا" (ص19) حيث تركتها فريسة لرجل اعتاد أن يجوب الأحراش بوقع أقدامه المتغطرسة ، حيث استطاعت مقاومته والعودة إلى دارها ، لكن من هذه المأساة جاء الفرج حين قررت فدره الرحيل في صمت ، وغابت في طريق يشدها أسفل الوادي لتعبر النهر (ص19) .

وتدفع مبدعتنا بطلتها الصغيرة للمرور على "جبل التجربة" حيث قاوم المسيح إغواء الشيطان أربعين يوما إنتهت بقوله" إذهب يا شيطان ، لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد. فتركه إبليس ، وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه (إنجيل متى ، أصحاح 4 ، عدد 10) وقد هبطت بها العربة التي تقلها إلى يريحو (مدينة القمر) حتى وصلت إلى منطقة الحدود لتستقل أحد الباصات تعبر به النهر تحمل بطاقة بختم الخروج المطبوع في أعلاها .

وتقطع العربية المسافات في ربوع حوران لتغوص مبدعتنا معنا في دهاليز التاريخ لمدن أموات سبقت مدن أحياء من آدوم إلى الأنباط ليصيروا أمة واحدة ، ومن آرام إلى النبطيين إلى كنعان ، بعدها تعود بنا إلى حاضرنا الروائي حيث تصل فدره إلى شقيقتها شقيله ، ومن مجمرة البخور تعود بنا ذاكرة فدره إلى حضارة قيدار والقيداريين "حيث كانوا يحرقون البخور في المجامر التى عثروا على العديد منها في الرقيم" (ص22) .

وعلى لسان شقيله تعبّر لنا بشرى أبو شرار عن حجم الكارثة التي يعيشها أهلها الفلسطينيون (بشرى أبو شرار أو بطلتها على حد سواء) ما بين معركة مع العدو ومعركة فيما بينهم "احتدم الخلاف هنا وصارت أحلاف وفصائل ، بعضهم اتجه شرقاً والآخر غرباً ، وبدأ المد والجزر ، والجميع دخل إلى أرض التيه لا يعرفون ميعاد الخروج" (23) في إشارة إلى القصة التوراتية عن تيه بني إسرائيل أربعين عاماً في صحراء سينا .

وتعود فدره مع أبيها سهيل لتشارك في جمع الزيتون. ومن فوق جبل الجرمق أعلى جبال كنعان تصفه لنا الفلسطينية بشرى أبو شرار بأنه "بيت الأحزان ، وحزن يعقوب على يوسف ، بكاه تفتتت لدموعه الصخور على كنف الوادي" (ص34) مرددة بذلك ما يتعلل به الإسرائيليون المعاصرون في اغتصاب وطن الفلسطينيين .     

وتختتم مبدعتنا هذا الفصل حين تعبر فدره النهر مرة أخرى "وحيدة كنبتة برية تودع أناتها وآهاتها في كلمات تئن فوق السطور تتركها لأبيها في خطاب .. تحث السير لتعبر النهر .. وتمنّى نفسها بالعودة وقطف حبات العنب" (ص38) .

-2-

الشهاب الثاني شقيلة التى تحب أن تكبر بحجم الوادي ، "هي موجة تأخذ كل يوم حجماً ويُعداً ، تخاف أن تكون شجرة مزروعة في تراب فتموت متخشبة ، تود لو تكون كل العصور فتكتب وتفقد ذاكرتها ، تتلاحم وتتفاعل مع الغير ، فتمضي في شرايينهم ، تتغلغل فيهم نبضا من بحر كلمات عاشقة لها"(ص54). هل ترانا نستشف طيف مبدعتنا بشرى أبو شرار خلف هذه الشخصية التى أبدعتها لاسيما ونحن نقرأ قصائد الشعر في شقيله "تحاكى ملكة نبطية منقوشة على أوانٍ فخارية" (ص55) وهكذا تجمع مبدعتنا شتات تاريخ بلادها: قديمه وحديثه في صرة روايتها ، وستظل هذه سمة من سماتها الروائية .

وهي كشقيقتها فدره "تعيش في حجرتها العلوية ، في عالمها المسحور بالكتب العتيقة ، "كتب تميل إلى الصفرة ، بعضها بهتت حروفه ، تمر عليها تقطع أجواء وحدتها"(ص88) وتحذو حذو أختها فدره تمنيا بمستقبل مماثل حين يطالعها الشاعر المصري حافظ إبراهيم(1872 – 1932) ، وعلامة علَّمت بها فدره فشقت قلب القصيدة بورقة صفصاف سقطت في يدها (صفحات 55-56)، ومن روبنسن كروزو (لدانيال ديفو 1719) إلى أسطورة جلجامش أول بطل مأساوى في تاريخ الإنسانية ، تطوف العالم زمانا ومكانا. وإذا كانت تكره الرياضة ومدرّستها، فإنها شغوفة بلغة الضاد ومدرسها. أما التطور الجديد فهو سكان جدد أتمّوا بناء بيتهم وجاءوا ليقيموا "العم سالم وزوجته وبناته" (ص58) وتعرفت هجرو وشقيله بجاراتهن مريانا وروزانا وزهوه وأمهن حيث انعقدت أواصر الصداقة بين الأسرتين ، وحين تدخل هجرو وشقيله بيت مريانا يشاهدان صورة مريم ووليدها تعتلى الجدران (ص61) .

وبرحيل فدره تمارس هريدية زوجة الأب الدور نفسه مع شقيله ، كما يمارس الأب سهيل الدور السلبي نفسه "ترفع قامتها ، تلتفت وراءها وتشد طولها ، هو الأب سهيل الذي .. يربت على كنفها ، يعطيها رحيق مواساة من زهرة الليمون حين تمتصه النحلة لترحل به صوب الخلية". وهكذا توظف بشرى أبو شرار تشبيهاتها في خدمة للمضمون .   

ومن خلال شقيله تتحرك بنا مبدعتنا من المكان إلى الزمان ، إلى التاريخ والأساطير "من جازر في كنعان ، ومن قلب الميلاد نبضت عيون الماء من وادي قدرون ، ومن مريم في بيت الخبز حيث نقر على الحجر ، ومن مَجِدُّو تفجرت عيون وفاضت إليها أنهار .. ويريحو ، والرجل عاري الجسد لونه بلون طين الأرض ، لون شعره بلون جلده ، يمزق خيوطا وينسج خيوطاً (ص60) .

ولا يقتصر دور زوجة الأب هريدية على قسوتها على بنات زوجها ، بل أضافت إليه مبدعتنا سلبية أكثر شرا ، ذلك هو خيانتها مع "نايف الأعرابي المتنقل بين بلدان وخرب تحطه وتقذف به ، يضمها بين ساعديه يعتصرها" (ص69) وذلك أثناء سفر زوجها سهيل إلى أرض قيدار على أطراف الحجاز لزيارة نفر من عشيرته هناك ، وقد تلقينا اكتشاف هذه الخيانة من خلال عيون شقيله التى تحاشت الالتقاء بها "وجها لوجه خوفاً من بوح العيون" (ص70). وكما أوقعت امرأة العزيز (فوطيفار في التوراة) بين يوسف وزوجها لأنه لم يستجب لإغرائها ، أوقعت هريدية بين شقيله وأبيها سهيل عقابا على اكتشافها خيانتها ، لأنه حين قابلها بعد عودته "وبادرت بتحيته عبس في وجهها ولم يرد تحيتها" (ص76) "وتحول لينه ورقته إلى قسوة" (ص77). وكما سُجن يوسف نتيجة وشاية امرأة العزيز به ، سُجنت شقيله بوشاية من امرأة أبيها. فأبلغتها أختها مرمرة "هريدية طلبت أن يُحمل لك طعامك حيث أنت هنا ، لا تبرحين حيث حجرتك العلوية لأنها لا تود أن تشعر بوجودك" (ص77) وهكذا يستوحى الإبداع الواقع البشري معلنا أن المجرم يدافع عن جريمته بمزيد من الجرائم .

ويُقبل خاطب لشقيلة يطلبها في صراحة "لتكوني ملْكاً لي إن رغبت في هذا" (ص85) فرغم دلالة الاستعباد في النصف الأول من حديثه ، إلا أنه أطلق لها حريتها في نصفه الثاني. وتصفها مبدعتنا بقولها "كقطاة هزمها الشرك ، تجاذبه ، تبغى الفكاك لكن أنى ذلك وقد علق الجناح" (ص85) معبرة عن مأساة المرأة في شرقنا العربي "تستنجد بأبيها ، تناديه من أعماقها فحاجتها إليه تكبر وتشتد لكن أين هو الآن"(ص87) موقف متخاذل يدعم الموقف العدواني على الطرف الذي يبدو أنه الأضعف. لكنه على العكس من ذلك وهبها القدرة على التمرد ، لأنها ما لبثت أن حذت حذو أختها فدره ، فبدأت "مشوارها في دروب العتمة والنضوب تلتحف النسيان في محاولاتها المستميتة لاستعادة يقينها الضائع لواديها الذى رحلت عنه ومازال يلعق جراحه" (ص93) .

-3-

الشهاب الثالث هجرو وتقدمها لنا راويتنا بقولها "كم كان قلب هجرو ضعيفا يرنو إلى السلام تبحث عنه لكن إلى أين متحفزة دوماً لكل ما يحيط بها" (ص97) وهريدية زوجة أبيها ما تنفك تعايرها بالتخلف في دراستها وأن الأنسب لها هو الزواج (ص104) فلا يكون رد فعل هجرو إلا أن تعلن استعدادها لإعداد طعام العشاء لأختيها مروة وريحانه (ص103). بينما الأب يخشي من عدم توفيقها في الزواج لشدة عصبيتها ضاربا المثل بزواج "مسره" حين "زُوجت لرشيد كانت حالتها تشبه حالة ابنتي ، وبعد سنوات أعادها إلى أهلها ... بعد غربة عادت منها مهزومة فاقدة لكل شئ" (ص104). وكعادة سهيل الحوار معه لا ينتهي إلى حل يصل إليه (ص104) وما تلبث هجرو أن تكتشف موت جدتها "حميه" التى كانت قد أعلنت أنها تنتظره – أي الموت – " كما أنتظر حبيبا عزيزاً" (ص108). ولا تنسى مبدعتنا أن تستدعى نعيب (أو نعيق) البومة من عقائدنا الشعبية لتضفى على الموت رهبته وجلاله " فهجع الليل لكلماتها في لحظات من الريبة والانتظار"(ص110) .

وتتهم زوجة الأب هريدية ابنة زوجها هجرو بأنها رأت رجلاً ذا معطف صوفي يقفز من شباك حجرتها ، مسقطة عليها ما ارتكبته هي مع نايف الأعرابي، لتصبح حجة وسلاحاً يفرض تحقيق مشروعها بزواج قريبها عون من هجرو ، مما دفع والدها سهيل إلى أن يعلن لابنته – تعبيراً عن شخصيته السلبية : لقد بات الأمر محتوماً بزواجك من عون. هنا تطلق مبدعتنا بشرى أبو شرار حدادها على ما دبرته لمصير شخصيتها هجرو حين نقرؤها معلنة "ذبلت برعمة الوادي ، ومالت على غصنها تنتظر السقوط حيث تهرسها الأقدام العابرة" (ص114) أَلَسْتِ أنِت المبدعة لهذه الشخصية كإحدى تنويعاته التى تقدمينها لمصائر النساء في مجتمعاتنا العربية المعاصرة؟ وتواصل كاتبتنا هجاءها الروائي بأسلوبها لمصير المرأة العربية على هذا النحو "تدخل هريدية حاملة هدية العرس ، تريها لهجرو حيث صندوق حليها المقدم إليها ، جدائل من الذهب تشبه سلاسل أوثقها بها والدها سهيل" (115) .

وتواصل مؤلفتنا وصل الحاضر بالماضي حين تحاول مرمرة أن تخفف من هم أختها (ولعله هم الفلسطينيين المعاصرين) فتحكى لها حكايات عن كنعان من قديم الزمان حيث كانت – في إشارة ذكية – هي أرض غربة وليست أرض وطن لإبرهيم وولده إسحق وحفيده يعقوب. وتكرر الإشارة حين تقص قصة المصري سنوحى حين هرب إلى أرض كنعان بعد أن ورط نفسه في مؤامرة ضد الفرعون سنوسرت وعاش منعما بعد أن تزوج ابنة رئيس القبيلة ، بل شارك هو وأبناؤه في حروب القبيلة إلى أن داهمته الشيخوخة فأخذه الحنين إلى وطنه الأصلي .. إلى أن جاءه كتاب موجه من الفرعون يدعوه للعودة ويختتمه بقوله "يجب ألا يكون رقودك على أرض غريبة حيث يلقون جثمانك داخل جلود الغنم" (ص116) لكن المشكلة أن بني إسرائيل كانوا شعبا بلا أرض بعدما غادروا مصر بقيادة موسى ، فأغاروا على القبائل الفلسطينية (أو الكنعانية الذي فضلته الكاتبة رجوعاً إلى التاريخ) ليخلقوا لهم وطناً ظل يتذبذب بروزا واختفاء .

وفي سمة جوهرية من سمات روايتنا أن تحرص مبدعتنا على أن تتضافر الطبيعة مع أوضاع شخصياتها ، فتعبيرا عن إرغام هجرو على زواجها من عون "رفعت وجهها محدقة إلى النجم فإذا بضوئه الثلجي المعتم قد وخز عينيها فجعل الدمع يطفر من تحت أهدابها"(ص117) بينما والدها سهيل تقدمه لنا مبدعتنا معبرة عن شخصيته المهزوزة والتي ربما ترمز بدورها إلى إحدى الفصائل الفلسطينية حيث نقرأ عن موقفه من إجبار زوجته هريدية على زواج ابنته هجرو من عون بقولها "ينكس سهيل رأسه ، يشد جسده من فراشه ، يجلس على حافته شاخصا إلى قدميه إلى أطراف جسده النابض حياة ، وكيف يساق لكل هذا وإلى أين ؟!!" (ص118).

هنا تبرز حاجة هجرو إلى أخيها عائد رمز المقاومة الفلسطينية العنيده كما تقدمه لنا مبدعتنا بلغتها الشاعرية "بدأت صورة عائد تقترب منها بقسمات وجهه العنيده وصوته الرقراق لجداول أنهار الشمال حين تنكسب على الأرض المتعطشة لها" (ص118) ثم تواصل تمجيدها لمخلوقها وبطلها عائد على لسان شقيقته هجرو حين تتساءل متنبئة "أينك يا حبيبي .. أتراك راقد تحت شجرة في فينقيا تنظر النهر من البعد .. خصلات شعرك السوداء مع الربح تماوجت .. وعينا صاحبك سوداوان عميقتان نقرهما غراب أسود" (ص119). إن تشابه لغة الشخصيات يقودنا إلى أنه صوت واحد هو صوت مبدعتنا التى لم تفطن في حماسها إلى أن تكون لغة كل شخصية من شخصياتها مختلفة باختلافها عن بعضهم البعض معبرة عن مستوى ثقافتهم التى حرصت على أن توضح تباينها  .

وما نلبث أن ندرك أن هجرة هجرو (وواضح أن هناك علاقة بين الإسمين) من وطتها إلى حيث يعيش عون بعد زواجها المغتصب ليست إلا رمزا من رموز روايتنا التى تتحرك على مستويين – الواقعي الرمزي – لمأساة الشعب الفلسطيني الذي هُجر من وطنه. وأرجو أن تأذنوا لي بنقل نص كامل لما يرمز إليه ما نقرأ أو نسمع مرمرة تقول لأختها هجرو في شبه مرثية "لا تنسى كلماتي حين ترحلين. البهجة وازديادها حدة وقسوة .. كثيرون بُعثروا في حوران أدوم .. عمون وموآب، وآخرون ترقد أجسادهم وتتعفن في ظلال المؤامرات وحلقاتها المتصلة في طول جنزير صدئ ، لا ينتهي مداه. ونباتات نمت وترعرعت على روابي القبور حين تفرد الصبايا شعورهن المضمخة بالعطر المجدولة بعبق زيت الزيتون، لن يفككن جدائلهن إلا حين عودة الغائبين من خلف النهر .. تتجلد نظراتهن المعلقة بالخوف من مجهول. يوشوش لهن بأنهن يعشن حتى يرين أعزاءهن ، ومهما سال الدمع من أعينهن لن يمحو الألم وستظل رياح الشرق تحمل أوجاعهن وآلامهن إلى بلاد بعيدة تنام خلف النهر" (ص120) وإذا كنا نقرأ في التوراة مراثي إرميا النبي لسبيْ الشعب الإسرائيلي فإننا نقرأ هنا مرائي بشرى أبو شرار لتهجير الشعب الفلسطيني إذ ما يلبث أن ينكشف لنا الرمز ويفصح عنه، نقرأه استطردا" ستكون لنا عودة يا هجرو الطيبة .. حقنا في البقاء هنا حق قومي عن أن يُدفن وينهال عليه الثرى إلى الأبد" (ص120) وتستعيد هجرو كلمات جدتها في كلمات لا لبس فيها "أخاف يا بنياتي أن أعيش حتى أرى أرضنا تحول بيننا وبينها الأسلاك ، تحلق فوقنا طيور الجوارح تنقر رؤوس رجالنا"(ص121) .

وتقرن مبدعتنا بين عرس هجرو ويوم سجنتها زوجة أبيها فتبلغنا أن النسوة "ألبسنها سلاسل ذهبية مجدولة تدلت على صدرها تذكّرها  بسلاسل لن تنساها في ليلة أدمت معصمها" (ص123) ثم تواصل بشرى أبو شرار دمجها بين الواقع والرمز حين نقرأ عن ثوب عرس هجرو أن به "زنيقات برزت حوافها بحبات لؤلوية شُدت بخيوط بيضاء لا تستطيع الانفلات كما هجرو التى لا تستطيع الانفلات"(ص123) .

ويتواصل الدمج بين الواقع والرمز حين تواصل بشرى أبو شرار تقديمها لحفل العرس وسواعد النسوة تتشابك" دارت تحترق وسط الزغاريد والمواويل ، رائحة دخانها تنخر أنفها ، ينتابها الغثيان لآثار الحرائق القريبة والبعيدة" (ص123) .

وهكذا تقدم لنا مبدعتنا بأسلوبها المتميز الموقف المتكامل لبطلتها من الخارج والداخل ، بالواقع والرمز وفي مرثبة قريبة من النثر الغنائي ترثي لنا بشرى أبو شرار بطلتها (التي أبدعتها أم فرضها عليها واقعها) تختتمها بهذه الكلمات "تطلق آهاتها فتتلقفها صدور النساء اللواتي بكين لها .. وذنب لا تغسله أنهار الدموع إذا عنّ الغفران" (ص124) تم تواصل حشدها المزدوج بين الواقع والرمز – أساس البناء الروائي – عزيزة وريحانه تهديان العروس هدية من صنع أيديهما "إبريق من الخزف الكنعاني رُسم عليه أوزة تلوى رقبتها إلى الوراء. فإلى أين تذهب نظرتها"(ص125) وما تلبث مرمرة وريحانه أن تشيرا إلى الوضع الحالي لفلسطين حين تربطان بين الحاضر والماضي "كم لطخ الغرباء عالمنا وسمموه حتى فاض البؤس بنا ، هم الغرباء حين حُلّت أقدامهم فوق مدينة القمر ، مدينة النخيل حرقوا كل ما فيها: رجلاً وامرأة ، طفلا وشيخا ، غنما وبقراً .. إنما آنية الفضة والذهب ، نحاس وحديد ، لموها في خزائنهم ، حيث هي هدية الرب لهم لا غير" (ص125) في إشارة إلى ما جاء في التوراة حين غزا يشوع أريحا (سفر يشوع الإصحاح السادس) .

ويتساءل القارئ : هل يا ترى هجرو رمز الفلسطينيين المغتصبة ، لاسيما حين نقرأ آيات تستدعيها بشرى من التوراة تؤكد أن فلسطين ليست وطن اليهود وذلك حين قال إبراهيم لعبده : أستحلفك بآلهة السماء والأرض ألا تأخذ لإبنى من بنات كنعان الذين أنا ساكن بينهم .. إرحل إلى أرضي وعشيرتي وخذ منهم زوجة لإبني إسحق (ص127) فأخذ العبد عشرة جمال من جمال مولاه ، وجميع خيرات مولاه في يده ، فقام وذهب إلى آرام النهرين إلى مدينة ناحور" (التوراة تكوين ، أصحاح  24 ، عدد 10) ثم تؤكد بشرى غربة إبراهيم أبي اليهود عن كنعان حين خاطب أهلها : أنا غريب ونزيل عندكم ، أعطوني ملك قبر لأدفن فن ميتي (تكوين، 23 : 4) وذلك عندما ماتت زوجته ساره .

وتواصل بشرى أبو شرار دمج حاضر روايتها بماضي وطنها المغتصب مشيرة إلى هيرودس الذي شارك في الحكم على المسيح بالصلب ، وذلك حين أمر بقتل زوجته مريمنا "تلك المرأة التي ابتسمت لقاتلها وسخرت من جلادها" (ص128) مختتمة فصلها بتلك الكلمات التي تقطر شاعرية وكآبة "نقيق الضفادع يردده المساء ... تنضح الأصوات على قرى الجليل وعلى طرقاته المتربة ، تلقى البيوت بظلالها على فراء الليل المخملي لنجوم اشتعلت ثم خبت ، وقمر شاحب تدلى فأغرقته غيمة لا شكل لها ولا حدود" (ص 128) .

-4-

تستهل بشرى أبو شرار تقديمها لشخصيتها الروائية الرابعة مرمرة بخطاب من هجرو إليها تشكو فيه وضعها المأساوي مع زوجها عون المفروض عليها. ونلاحظ أن هجرو لا تشكو فقط من الاستعباد المفروض عليها ممثلاً في أوامر زوجها "أنا لم آخذك لتنامي في الفراش ، فكل شئون بيتي (وليس بيتنا) على عاتقك" (ص121) بل تبلغها أنها حاولت الإفلات والعودة إلى أسرتها لكن "ضل متى الطريق إلى عودة تجمعني وإياكم : تردني وتقذفني حدود وأسلاك .. وحراب نافرة .. طلقات أسمعها تثقب روحي وأفزع لصوتها ، أنظر جسدي ، أبحث عن آثار دماء تسيل عليه فلا أجد ... أعود أدارحى لبيت عون بروح هائمة وجسد واهن (ص131) .

وتربط الماضي بالحاضر – سمة مميزة من سمات الشكل الروائي – حين نقرؤها تعلن في شكواها – ولم نعد نفرق هل هو صوت مبدعتنا أم صوت مخلوقتها – "من حولى جاءت أقدام غريبة وحوطت الغابات القريبة المجاورة ، يقبولون هم الموسويون ، جاءوا بعدما ضايقهم يابين ملك كنعان (إشارة إلى ما جاء في سفر القضاة من التوراة الأصحاح الرابع والأعداد الثلاثة الأولى : وعاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عينيْ الرب بعد موت أهود ، فباعهم الرب بيد يابين ملك كنعان الذي ملك في حاصور ورئيس جيشه سيسرا ... فصرخ بنو إسرائيل إلى الرب لأنه كان له (أي يابين) ، تسع مائة مركبة من حديد وهو ضايق بني إسرائيل بشدة عشرين سنة) .

وتواصل هجرو في رسالتها "وثماني عشرة عاما استعبدهم أبناء عمون" ليتشابك الماضي بالحاضر حيث نقرأ ذلك في سفر القضاة من التوراة (الأصحاح العاشر ، من العدد السادس إلى العدد التاسع) ، بينما تواصل راويتنا على لسان بطلتها هجرو لتعيدنا إلى الحاضر "وهم الآن يبيتون الضغينة لأهلنا ، في الشمال والجنوب ينتظرون الفرصة حين تواتيهم يحققون مآربهم في الانتقام ونهب ما تقع عليه أيديهم وسوء نية يطويهم" (ص121) .

وكما قدمت مؤلفتنا شخصية "هريدية" ممثلة نسائية لجانب الشر في روايتها، فإنها قدمت لنا كذلك عون منذ أبرزته في روايتها وهو يشترى هجرو زوجة له بثروته حتى إبلاغنا على لسان هجرو أنه يقضى معهم (تقصد من تطلق عليهم الموسوبين) وقتا طويلاً لا أعرف ما يسره (بكسر السين) وإياهم (صفحات 131 – 132) وبذلك توزع شخصياتها الروائية على الفصائل الفلسطينية المختلفة ما بين الدين يضحون بحياتهم (عائد) حتى الذين يخونون شعبهم (عون). وتختتم كاتبتنا شكوى بطلتها هجرو بأسلوبها المتميز ببلاغته حين تعلننا أن هجرو "تلقم من خيوط الحكاية: لِمَ تركني أبي هنا وأنتم هناك" (ص132) وندرك أن الأسلوب هو بطلنا الروائي حين نقرأ مثل هذه الكلمات "تنام مرمرة كثيراً تنشد راحة في نسيان ، تأنس لخيالات تلازمها .. هجرو راقدة بجوارها تخمش الوسادة بأصابعها، تسمع الهمس حين تبثها أسرار الليل ، ترقب السماء لريح تدفع السحب فتفصلها ، ونقط بنفسجية منثورة لنجوم باتت نائية كأخواتها .. وحين يوقظها الصباح تبدو كمن ضُربت بلا شفقة بمطارق فضية صغيرة على عروقها .. تلاحقها هجرو في منامها وصحوها ، وهمساتها إليها آتية ما بين أوراق أذبلها الصقيع ، تحف حفيفا رهيبا ذا رنة زجاجية إنها تناديها وهي التى ضلت طريقها للرجوع لوالدها – قد يرشدها الدب الأكبر إلى طريق الصبايا اللواتي "ذبلن كعيدان العنب المقطوع" (ص132) واضح أن مداعبة حاستىْ البصر والسمع هي التى سيطرت على تلقى العالم الخارجي مشوبا بالحالة النفسية .

بتأرجح روايتنا بين الحاضر والماضي تعيدنا هجرو إلى يوم مولد مرمرة عندما تسأل هجرو "ما شكل أختنا مرمرة؟" وفدره تلهو في خيوط الصوف المعقدة تلقها على راحة يدها وتعود تفكها مرة أخرى ، وقد أغرقتها صورة المولودة مرمرة ، ومتى ستكبر" (ص133) في إشارة تذكَّرنا بينيلوب الجميلة في إيتاكا انتظارا لعودة زوجها بوليسيس وهى تلهو بخيوط الصوف المعقد تفكها لتلفها على راحة يديها وتعود تفكها من جديد في تحايل منها حتى لا تنفذ وعدها بالموافقة على الزواج ممن يعرضونه عليها متى اكتملت لفة الصوف ، وذلك انتظاراً ووفاء لزوجها الغائب العائد من حروبه عبر البحار. لكن استدعاء الماضي بصورة مكررة يتم هنا عن طريق النقوش على الآواني الأثرية (ص136) .

وقد طلبت هجرو من مرمرة أن تتكتم على أخبارها "لأنها ستنتصر على عون فما تلاقيه في داره ذاقته ألوانا على يد هريدية" (ص135) ولأن هذه مأساة هجرو ، بينما شقيله وصخر بينهما المستحيل ، فإن مرمرة تتساءل متخوفة : هل يخفق قلبي كما قلب شقيله وتصيبني تعاسة تلاحقني طوال أيام حياتي ؟ (ص139) ثم تهتف هتافا يعبر عن نقيضه حين نسمعها تنفى في شبه اعتراف : لا لن يخفق قلبي لمضاض (ص135) ثم طلبت من أبيها ضارعة : أبي لا تسلمني لرجل يطلبني كما فعلت مع هجرو ، لا تزوجني يا أبي ، لن أرحل من هنا ، لن ... (ص139) وتأخذنا بشرى أبو شرار إلى موقف بين العاشقين مرمرة ومضاض حين تُسمعنا – مضاض – وربما مبدعتنا بشرى أبو شرار فالحوار كله بالبلاغة نفسها بغض النظر عن اختلاف شخصيات ناطقيه – فهو يشكو لمرمرة : ماذا يفعل العاشق بزجاج القلب حين ينكسر. ماذا فعلت بنفسك أيتها الكنعانية؟ أنت يا مرمرة محطتي الأخيرة والطلقة الأخيرة". (ص140) فأسلوب الحوار لا يعبر عن شخصيات ناطقيه ، بل عن بلاغة مبدعتنا حواراً وسرداً ، فبنفس أسلوب الحوار نقرأ أسلوب السرد "كلمات مضاض جعلتها قشة تحملها الرياح تخاف أن تلقى بها حيث البرية" (ص140) .

وتبرز أمامنا مواصلة سهيل سلبيته حين تعلن زوجته هريدية أن لديها أفكاراً كثيرة وجديدة تريد أن تضفيها على المكان ، فيكون كل رد فعله "أن تحرك من مكانه تاركاً مجلسها في صمت .. ووسط الخوف والصمت تزال مطارح .. تُهدم وتُبنى وتغير معالم الدار" (ص145) .

وتسترجع مرمرة – وهي عازمة على الذهاب إلى باريس عاصمة النور –تسترجع ذكرى دليلة "تلك المرأة التى حملت هم أهلها وجاهدت قلبها وعزيمتها على الخلاص من شمشون. عرفت سرقونه مكمن ضعفه ، فتمكنت منه وأسلمته لشعبها" (صفحات 148 – 149). وهكذا تقدم لنا بشرى أبو شرار قراءتها للتوراة بالمعدول حين عرفت أن شعره الطويل سر قوته فقصته وهو نائم وأسلمته لشعبها أعداؤه .

ولأن الحاضر مجدول بالماضي فإن رفاق الشقيق عائد يكنّون احتراماً كبيراً لقائدهم – "الخط المستقيم الذي يتجهون صوبه هو تحرير الوادي من وطء أقدام الغرباء، وإعادة سيطرتهم على بواباته ومنافذة – هو وادينا عبر الزمان ، غسلته دماء أجدادنا ، وأخصبته عظامهم ، فلن نخضع اليوم ولا غداً ، هل علينا أن نتخلى ويقتسمه هؤلاء الغرباء معنا" (ص151) "إرتدى عائد ملابسه متلهفاً للنزال ... بنادي رفاق السلاح ... أحذية وعُدّوُُ وقعقعة ... ويسقط عائد كقمح كُسر عوده ، وكلمات لرفافه يودع فيها الحياة : من كان كنعانيا (فلسطنيا) سيظل إلى الأبد – لن يحكمنا الغرباء الموسويون" (الصهيونيون) (ص152) .

ومن الحاضر إلى الماضي تواصل بشرى أبو شرار ضفيرتها الروائية فنتساءل : هل سيعود سنحاريب ملك أشور (705 – 683 ق . م) ليفرض جزية على حَزَقيّا (تبوأ مُلك يهوذا عام 736 ق. م) .

وتختتم راويتنا روايتها بوصية سهيل ذات الدلالة المزدوجة : الواقعية الروائية والأخرى الرمزية "مرمرة أوصيك بالأرض لك ولأخواتك من بعدى ، لا تفرطي في ذرة من ترابها – الأرض .. الأرض .. لن يرتاح جسدي في ثراه إلا حين يعبرن النهر إلى بلادهن في كنعان" (ص156) .

إن بشرى أبو شرار تقلب الصورة التي تقدمها التوراة عن بني إسرائيل الذين شعارهم : العدوان مهمة مقدسة ، بينما سكان كنعان (الفلسطينيون) أشرار يجب إبادنهم بهدف استيطان أرضهم ، حلقة معاصرة من حلقات تاريخ متواصل .



  عدد المشاهدات: 1728

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: