الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   ثقافة و فن   

سوريا مهد الحضارة - ( الحمـامـات الدمشــقيـة) ... بقلم : يونس أحمد الناصر
November 17, 2013 06:53

 
كل الأخبار - ثقافة و فن :
هذه الحمامات تقليد تراثي وشعبي يقول أهل الشام عن الحمام الشعبي لديهم: "نعيم الدنيا الحمّام"، ألا تكفي هذه المقولة لزيارة حمّام دمشقي والتمتع بأجوائه الساحرة ومشروبات الزهورات ( شاي الليمون والأعشاب) المنعشة.
غير أن الحمام الشعبي الذي كان يلعب دورا بارزا في حياة الدمشقيين لم يعد يلعب مكانة تذكر فيها هذه الأيام. فمن بين 160 حماما كانت تزخر بها دمشق أوائل القرن الماضي، لم يبق سوى القليل الذي لا يتجاوز عدد أصابع اليد. وفي هذه العجالة نعرض لهذا المعلم الهام الذي يتوسط فسيفساء الحياة الاجتماعية في دمشق .
تشتهر دمشق بحماماتها العريقة، و تقديم خدماتها المميزة، فارتبطت طقوس الحمامات بالعادات و التقاليد، بحيث أصبحت جزءاً لا يتجزأ من تاريخ المدينة، مما أعطاها طابعاً اختصت بهِ, و الحمامات من معالم دمشق التاريخية الهامة ذات النفع العام يرتادها أبناء دمشق و الغرباء عنها على حد سواء.
لم يكن الحمام مرفقاً اجتماعياً يقدم الخدمة للأفراد فحسب، بل كان لهُ دور ايجابي في العلاقات الاجتماعية. فقد كان مكاناً للقاء الأصدقاء و الأقرباء و أبناء الحي في مناسبات عائلية و اجتماعية عديدة.
كانت الحمامات في دمشق وجهاً من وجوه الحياة الفنيّة، و مظهراً من مظاهرها الصحية، و ملتقى للحياة الاجتماعية للرجال والنساء .
فالناس يلتقون في الحمام و يقضون الساعات الطوال في الأحاديث الوديّة و العائلية و العملية و الاجتماعية، و يتبادلون القصص و الأخبار، و أثناء لقائهم هذا يتناولون الطعام و يشربون الشاي و القهوة و المشروبات المثلجة.....
و لم يشأ أهل دمشق أن يكون الحمام منتجعاً للاستحمام فحسب، بل أرادوا أن يكون مجتمعاً لأبناء الحي الذي يقطنونه و لضيوفهم و معارفهم الكرام، و مكاناً مريحاً يستمتعون فيه بجمالهِ الفنّي، كما يستمتعون بحرارة مائهِ و دفئهِ.
و لذلك زيّنوه فأبدعوا في زينتهِ و تزينه، حتى أصبحت بعض الحمامات الدمشقية أية فنيّة معمارية رائعة، و ميزة تمتاز بها دمشق الساحرة على مرّ الأيام، حيث رصعّوا جدرانها بالقيشاني، و فرشوا أرضها بالرخام، و عقدوا على أطراف قبابها و قرنها عقود الجصّ النافرة...كما أقاموا نظاماً هندسياً بارعاً لتزويدها بالمياه الساخنة و تدفئتها، و تزويد البحرات( النوافير ) بالمياه الباردة التي تتشامخ منها نوافير بأشكال بديعة أخّاذة.
و لهذا فقد كان أهل ( )دمشق يفخرون بحماماتهم زمن الأمويين، و ذكر أن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك لما بنى مسجد دمشق الكبير(الأموي)تحدث إلى أهل دمشق بقولهِ ( ):
(تفخرون على الناس بأربع خصال، تفخرون بمائكم و هوائكم و فاكهتكم و حمامّاتكم فأحببت أن يكون مسجدكم الخامسة)
توزيع الحمامات بدمشق:
ارتبط توزيع الحمامات في مدينة دمشق بمفهوم الطهارة فقد ارتبط توزع الحمامات بالمدينة بتوزيع مساجدها فكان إلى جوار كل مسجد حمام ويؤكد حمامي أن الحمام كان في الماضي عبارة عن عمل غير مأجور (سبيل)، حيث كان المرء عندما يفرغ من الحمام يقرأ الفاتحة على روح صاحب الحمام ويقوم هذا الأخير بإعطائه شيء للأكل لقاء ذلك، أما الآن فقد أصبح هذا العمل مأجورا بسبب ضغوط الحياة المادية.
و قد اختلف نمط بناء كل حمام من حيث الزخرفة و المواد المستخدمة و طريقة بنائه و المساحة التي بني عليها إلا أن غالبها, تألف من ثلاث دوائر أساسية هي : البرابي و الوسطاني و الجواني, و البعض القليل منها كان مكونا من دائرتين : البراني و الجواني.
و كان يدخل إلى الدائرة الخارجية منه ( البراني) من باب الشارع أو الحارة. و على جانبي المدخل توجد غرفتان ضغيرتان تليهما مصطبتان أو أكثر مرتفعتان عن أرضية البراني بمقدار يصعد إليهما بدرج خاص فيخلع عليهما المغتسلون ثيابهم و يقدم لهم ما يلزم من البشاكير و المناشف و ما شاكل ذلك للرجال. أما النساء فكن يجلبن بقجاتهن من بيوتهن. و كانت مصاطب الحمام مكسوة بالسجاد و البسط. و في داخلها نافورة ماء تطوقها من جهاتها الثلاث مصاطب صغيرة أو مقاعد لجلوس المستحمين عليها. و في وسط المصاطب الكبيرة توجد بركة ماء كبيرة توجد بها فسقية و نافورة و غالباً ما تكون مزينة بتماثيل من الأسود الحجرية التي تخرج من أفواهها المياه لتصب في البركة كما في حمام نور الدين الزنكي في البزورية. و لتأمين الإضاءة للحمام نهاراً توجد به شبابك علوية.
أما الدائرة الثانية فتتكون من الوسطاني و الجواني. و هي خاصة بالاستحمام, بها منافع ( دورات مياه) و يوجد في كل منها أجران, و هذه الأجران من الرخام أو الحجارة تنصب فيها المياه من أنبوبين, الأول حار والثاني بارد تتحكم فيه قطعتان من الخشب. أما جدار البناء و أرضيته فغالباً من الرخام و السقف من الحجارة أو على شكل قباب بها فتحات توضع عليها قطع زجاجية لإضاءة و يطلق على هذه القطع اسم القماري.

و الجدير بالذكر أن دمشق العريقة تضم 134 حماماً منها 11 حماماً لا يزال محافظاً على وظيفتهِ حتى الآن و إن أقدم الحمامات الدمشقية (نور الدين الشهيد) عمره حوالي 887 عام.
حمامات دمشق:
لقد ذكر بعض الكُتاب و الرحالة جانباً في أبحاثهم عن الحديث بأبرز الحمامات التي تواجدت في عصر كلٍّ منهم( )، و من أهم هؤلاء الكُتاب:
- أول من تكلم عن حمامات دمشق الحافظ أبن عساكر (571ﻫ) في تاريخهِ الكبير ( ) فذكر سبعة و خمسين حماماً، سوى حمامات القرى
- ثم جاء بعده ابن شداد (684ﻫ)( )فزاد عليها حتى بلغت خمسة و ثمانين حماماً، ثم أضاف إليها الحمامات التي بخارج سور المدينة فبلغ مجموع ما ذكره مائة و سبعة عسر حماما. ثم يذكر ابن شداد الحمامات التي بخارج المدينة (خارج السور) في الشاغور والعقيبة وباب السلامة وحكر السماق وباب توما . والحمامات التي بحواضر دمشق في قرية المزة والميدان الفوقاني وجبل قاسيون
- و قد نقل الينا عبد الهادي في (عدة الملمات في تعداد الحمامات) ما ذكره إبن شداد و الأربلّي فبلغ ما عدّدهُ مائة و سبعة و ستين حماماً عدا حمامات الغوطة.
- و قد عاصر ابن عبد الهادي، عبد القادر بن محمد النعيمي الدمشقي (845- 927ﻫ) ،. و قد ذكر النعيمي خلال أبحاثه ستة و ثلاثين حماماً ورد ذكر معظمها في ما كتبه من سبقه،
- أما محمد بن طولون الصالحي (توفي سنة 953ﻫ) فقد عدد في كتابهSadالقلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية) حمامات الصالحية، حيث بلغ عددها أحد عشر حماماً
- و بعد قرنين من الزمن أتى محمد بن عيسى بن محمد بن كّنان (توفي سنة 1903ﻫ) بكتابهSadالمروج السندسية الفسيحة في تلخيص تاريخ الصالحية) عدد فيه أيضاً حمامات الصالحية في القرن الحادي عشر، و علّق على بعض الحمامات التي ذكرها ابن طولون
- في عام 1942م أفرد المهندسان الفرنسيان: ايكوشار و لوكار لحمامات دمشق كتاباً بحثا فيه الحمامات و تطورها في دمشق حتى القرن التاسع عشر، فقد ذكر ايكوشار و زميله ستين حماماً معظمها ذكرها الكتاب و الرحالة العرب،
- و قد أورد صلاح الدين المنجدّ بحثاً بعنوان: حمامات دمشق (1947م)عدد فيه ثمانية و عشرين حماماً كلها ذكرها ما سبقه غيره و هي:
1 – حمام العفيف 2 – حمام المقدم
3 – حمام الحاجب 4 – حمام الورد
5 – حمام الجوزة 6 – حمام العمري
7- حمام أمونة 8- حمام الخانجي
9- حمام القرماني 10- حمام الملك الظاهر
11- حمام القيمرية 12- حمام البكري
13- حمام السلسلة 14- حمام الملكة
15- حمام القاضي 16- حمام السنانية
17 – حمام الركاب 18- حمام المسك
19- حمام الصفي 20- حمام السروجي
21- حمام التيروزي 22- حمام الزيني
23- حمام فتحي 24- حمام الرفاعي
25- حمام العاقل 26 – حمام الجديد
27- حمام الدرب 28- حمام التوتة
يلاحظ أن المنجدّ أهمل ذكر عشرة حمامات منها حمامات مشهورة في التاريخ، كما النوفرة المسمى بحمام درب العجم الكبير، و حمام سامي، و حمام عز الدين، هذا بالإضافة إلى حمام السكاكري و حمام الجوزة و حمام الحدادين و حمام الجديد بالقماحين و حمام ناصري الجورة بالشاغور و حمام الذهب و حمام الشيخ حسن..و بعض هذهِ الحمامات لا تزال تعمل حتى أيامنا.
الحمامات التي تخلت عن وظيفتها:
لقد تخلى ثمانية عشر حماماً عن وظيفته، و هذهِ الحمامات حوّلها أصحابها و ملاكها، إلى دور للسكن، أو إلى محالّ للصباغة و التجارة و خزن البضاعة.
و هذهِ الحمامات:
1 – حمام الجسر الأبيض 2 – حمام السلطان
3- حمام الدبس 4- حمام الراس
5- حمام المناخلية 6- حمام منجك
7- حمام القناطر 8- حمام القيشاني
9- حمام قصر العظم 10- حمام القاري
11- حمام نور الدين(البزورية) 12- حمام القاضي
13- حمام الخياطين 14- حمام الخراب
15- حمام الموصلي 16- حمام فتحي
17- حمام الجديد 18- حمام التوتة
و هناك حمامات كانت تمارس و ظيفتها في الخمسينات من هذا القرن الماضي ، ثلثها قد توقف عن العمل، أو تخلّى عن وظيفته في استقبال الناس.
و هذهِ الحمامات هي:
1 – حمام العفيف 2 – حمام الجوزة
3 – حمام الخانجي 4- حمام السكاكري
5 – حمام سامي 6 – حمام الناصري
7 – حمام الصفي 8- حمام الذهب
9 – حمام الرفاعي 10 – حمام العقيل
و هكذا بلغت الحمامات التي تخلت عن عملها سبعة و عشرون حماماً، وقد قامت المديرية العامة للآثار و المتاحف بإخلاء حمام نور الدين بالبزورية من المحال التجارية و المستودعات التي كانت تشغل أجزائه، و أشرفت على ترميمه بشكل يماثل وضعه الأصلي
ونعتقد بأن هذا الإرث التاريخي ينبغي إحياء ما يمكن إحياؤه و في ذلك إثراء لتقاليد الحمام الدمشقي أو حمام السوق الذي شهد طقوسا متنوعة. على سبيل المثال كان هناك ما يسمى "حمام العريس" الذي كان على الشاب القيام به قبل زواجه.
أما العروس فكانت تستحم أيضا مع صديقاتها وقريباتها في الحمام قبل أن تزف إلى عريسها. وهناك حمام الولادة والذي كان يقام بعد أسبوع من ولادة المرأة وحمام الأربعين بعد ولادتها بأربعين يوماً وغيرها من العادات التي اندثرت حالياً لتظل حمامات السوق الدمشقية بالدرجة الأولى وقفاً على السياح وبعض الباحثين عن التراث أو الاستمتاع بالأجواء الحميمة الدافئة وبعض عابري السبيل القادمين من محافظات أخرى



  عدد المشاهدات: 2450

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: