الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   ثقافة و فن   

سوريا مهد الحضارة – عين دارة - بقلم : يونس أحمد الناصر
November 17, 2013 07:03

 
كل الأخبار - ثقافة وفن :
 
سوريا التي أسسها سرجون الثاني ( 2350- 2300) ق م وبتعاقب الحضارات على أرضها والتي تشكل وحدة حضارية واحدة إلى يومنا الحاضر فمنها انطلقت الأبجدية الأولى في العالم لتعلم البشرية استعمال الحرف ومنها انطلق فيليب العربي من شهبا ( محافظة السويداء) ليكون إمبراطورا لروما , ومنها انطلقت جوليا دومنا ( محافظة حمص ) لتتوج على عرش أعظم إمبراطوريات العالم القديم هذه هي سوريا جذورا تمتد في عمق الزمان وحاضرا يسمو إلى النجوم .

هذه هي سوريا الحضارة والإنسان والتي تحكي كل بقعة منها روايات المجد والفخار و اليوم سنزور تل عين دارة في الشمال من سورية بعد زيارتنا لمحافظة حلب ومنطقة عفرين حاضرة الشمال في مقال سابق يمكن مشاهدته على الرابط " http://syria-ws.com/readnews.php?sy_seq=90643"

عين دارة :

مدينة أثرية سورية وآبدة تاريخية أخاذة تقع على الطريق الواصل من حلب إلى إعزاز وعفرين، تبعد 8 كم جنوب عفرين، تعود المدينة إلى العصر الآرامي ما بين 1200 – 740 قبل الميلاد.

أما تل عين دارة الأثري فيقع على بعد 2,5 كم إلى الغرب من القرية، ويوجد فيه نبع ماء كان يشكل بحيرة صغيرة ضمن غابة من الأشجار ، وتعتبر من أجمل المواقع السياحية في المحافظة.

وقد عثر في التل على معبد يحوي تماثيل تجسد حيوانات مجنحة وتماثيل ونقوشٍ وآثار كثيرة، كما عثر في الموقع على لوحة بازلتية تمثل الآلهة عشتار بالحجم الطبيعي.

يقسم موقع عين دارة إلى قسمين حسب علماء الآثار:

جنوبي: وهو عبارة عن مرتفع صغير مساحته نحو دونم واحد، ويقال إنّه موقع لقرية زراعية سكنها الإنسان منذ حوالي عشرة آلاف عام.

شمالي: يعود تاريخ السكن فيه إلى الألف الرابع قبل الميلاد، وينقسم بدوره إلى قسمين: شمالي، وجنوبي.

القسم الشمالي، أو المدينة «التحتانية» :

وهو عبارة عن أرض منبسطة مساحتها نحو 50000 متر مربع، أُحيطت في نهاية الألف الثانية قبل الميلاد بسور وأبراج دفاعية، وكان لها أربعة أبواب، ولا تزال بقايا السور موجودة في الناحية الغربية.

القسم الجنوبي أو المدينة «الفوقانية»:

وهو تل مخروطي الشكل مساحة سطحه 7500 متر مربع، وأبرز معالمه المعبد البازلتي، الذي اكتشف في أواخر الستينات من القرن الماضي, أما بالنسبة لتاريخ بناء المعبد، فقد اختلف الباحثون، ولكن معظمهم يرجحون بدايات حثية وهورية له، فمنهم من قال إنَّ المعبد مقامٌ على طراز هيلاني، وهو نمط بناء هوري- ميتاني ( ساد هذا النمط في سورية الشمالية في الفترة بين 1200- 700 ق.م )، أما كتّاب دليل حلب السياحي فيجزمون بأنّ المعبد حثي ويعود إلى الألف الأول ق.م، حيث عثر المنقبون على كسرات لكتابات هيروغليفية حثية تعود إلى ذلك التاريخ.

يتألف المعبد من هيكل مستطيل الشكل 38×32م ) يتجه مدخله نحو الجنوب الشرقي، تتقدمه باحة مبلطة بلوحات حجرية كبيرة كلسية جصية وأخرى بازلتية صغيرة، ولو أنها تامة لبدت كالبساط الجميل الذي يغلب فيه اللون الأبيض على اللون الأسود، وفي زاويتها الشرقية بئر ماء مطوية جيداً وعميقة وبجانبها حوض من الحجر الكلسي الجصي، حيث كان يجب على كل من يدخل إلى المعبد أن يغتسل أو يتوضأ في هذا الحوض ثم يدخل، وذلك حفاظاً على طهارة هذا المكان الديني، وبعد الوضوء يعبرون الباحة الجميلة ليصلوا إلى المدخل المحرابي الجميل الكبير والعميق.

يربط الدرج الخارجي العريض الذي لم يبقَ منه إلا جناحه الأيسر الباحة بالمدخل، ويتألف من درجات صنعت من الحجر البازلتي ونقشت عليها أشكال تشبه الضفائر، ويصعد الدرج الأوسط إلى العتبتين، بينما يصعد الجناحان الجانبيان إلى شرفتين جميلتين فيهما قاعدتان بازلتيتان كبيرتان ارتكز عليهما عمودان خشبيان فحملوا الساكف الخشبي، يلي الدرج الأوسط عتبتان كبيرتان من الحجر الكلسي ـ الجيري نقشت على الأولى صورة قدمين بشريتين وعلى الثانية صورة القدم اليسرى.

"إن وجود قدمين متجاورتين على العتبة الأولى يشير إلى المتعبد أن قف وتمهل على العتبة الأولى وأتل تسابيح معينة وبعد ذلك يخطو بالقدم اليسرى إلى الأمام ثم يعبر القاعة الأمامية ويصعد الدرج ليدخل الحرم أو المصلى بالقدم اليمنى.

إذاً وجود الأقدام يهدي المتعبد إلى آداب الدخول للهيكل وقد تكون لهما فائدة أو دلالة أخرى مثل الرمز إلى الرب بواسطة الجزء بدلاً من الكل ....الخ "

الدرج يحرسه أسدان برأس امرأة وجناحي طائر وخلفهما من كل جانب أسدان متقابلان يلتفتان نحو اليمين ونحو اليسار وجميعها يرقب كل زائر للهيكل، وإن هذه تعكس ما كان لها من روعة وجمال، وقد اصطفت تحت نسق من الأسود الجانبية التي يبلغ ارتفاعها المترين ويقوم عليها الجدار المتهدم.

وما أن نعبر المدخل المحاط ببرجين شامخين حتى نصل القاعة الأمامية ذات العناصر الزخرفية المتنوعة، وهي مستطيلة الشكل (16×6 م) يصل بينها وبين الحرم درج فاخر درجاته بازلتية مزينة بأشكال تشبه الضفائر تنسجم مع مثيلاتها التي تزين النعلة البازلتية السوداء التي ترتفع مقدار (60سم) فوق الأرضية.

فوق النعلة وفي الجدارين الجانبين توجد بلاطات بازلتية أيضاً عليها أشكال رب الجبل أو ضفائر تفصل بينها عوارض بارزة، أما فوقها وفي جدارها المشترك مع الحرم فتنتصب أسود كالتي في الواجهة الرئيسية.

ومن هذه القاعة ندخل إلى البرج الأيمن ومنه إلى بيت الدرج الذي يلتصق بجدار القاعة الشمالي الشرقي، وإذا صعدنا الدرج نصل إلى عتبة كبيرة من الحجر الكلسي يحيط بها أسدان وبرجان ، نقش عليها رسم القدم اليمنى لإنسان، والواقع أن نقش رسم الأقدام على العتبات الثلاث المتتالية للمعبد هو أحد أغرب المشاهد في هذا المعبد، فهي ليست عنصراً زخرفياً فحسب بل لها دلالة يصعب علينا تحديدها ولكن من الممكن التكهن بمغزاها.

لقد أصاب الحرم الخراب والدمار ومع ذلك لازالت فيه عناصر تشهد على كيفية تقسيمه وحسن بنائه وجمال زخرفه، لقد خصص ثلثه الأخير تقريباً للسدة التي يتقدمها المحراب وتوضع فوقها التماثيل، أما القسم الباقي فظل للمصلين، وكانت تزين حائطه نعلة بازلتية نقش عليها زوج من الأشكال الرشيقة التي تشبه الضفائر وتعلوها لوحات مزخرفة ثم الجدار اللبني، وتشير الدلائل المتوافرة حتى الآن إلى أن هذا المعبد قد أحيط بعد بنائه برواق يعتبر أشهر قسم فيه، يرتفع فوق الأرض المجاورة) وقد غطيت صفحته بعدد كبير من اللوحات البازلتية المزينة بأشكال الأسود التي تلتفت نحو اليسار أو اليمين، وتعتبر هذه التماثيل أيةً في الإبداع والإتقان.

أجسام هذه الحيوانات كبيرة لذا كانت رؤوسها كبيرة أيضاً وفي هذه الحالة كان الفنان يؤلف بين جميع العناصر في الواجهة الجدار العالي وقاعدته ، المصطبة وكسوتها ، وانطلاقاً من هذه القاعدة جعل الرؤوس بارزة للأمام لتشكل شريطاً أفقياً موازياً لشريط رؤوس حيوانات لوحات المصطبة ، وبعد هذا كله فإننا لا نجد في هذا النموذج من المنحوتات أجساماً كاملة فكل ماهناك رأس ولبدة وقائمتان أماميتان أما اللبدة فتحيط بالرأس كالإكليل ، وأما القائمتان فتنتهيان إلى مخالب غاية في الدقة والإتقان والواقعية .

كان للرواق مدخلان أحدهما عند الزاوية الشرقية للمعبد، والآخر عند الجنوبية، وقد سٌد الذي عند الزاوية الجنوبية فيما بعد، وتخرب الذي عند الزاوية الشرقية، وبما أن الرواق مرتفع فوق الأرض المجاورة كانت له أدراج لم تبقَ منها بقية.

وتضم أنصاب الرواق البالغ عددها ثلاثون قطعة ومن المؤسف حقاً أن معظم هذه الأنصاب مشوهة ومع ذلك بقي منها ما يدل على هويتها ، وأول ما نلمحه من هذه البقايا الباقية من الأنصاب أن المواضيع المنقوشة عليها متنوعة : فهنالك رجل يقرب القربان والملك على العرش ، والمحارب وشجرة النخيل ، وقد نقشت الأشكال البارزة على سطوح الأنصاب الملساء والأجزاء الباقية منها تنم عن قدرة فائقة على تصوير جذع النخلة ، وثوب الملك المزركش وكرسيه ، وقوائم الثيران ، والرجال ، ويشعر المرء وهو يتأملها أنها كانت أعمالاً باهرة تؤلف بمجموعها معرضاً لفن النحت في هذه المدينة .

كما استخدمت الأنصاب التي زاد ارتفاعها على ثلاثة أمتار كعمد لسقف الرواق الذي لم يكن له جدار خارجي وكان سقفه أقل ارتفاعاً من سقف المعبد.

أما عن كسوة الجدران :

وتضم اللوحات التي كانت تزين الجدارين الجانبين للقاعة الأمامية وسلسلة الأحجار التي كانت تكسو الجزء السفلي من محراب المصطبة في المصلى ,إن نقوش هذه القطع غاية في الدقة والإبداع وتتألف من أشكال رب الجبل التي تحيط بها الأشكال المركبة من إنسان وحيوان ، وبما أن نقوش لوحات القاعة الأمامية مشوهة فسنكتفي فقط بدراسة نقوش محراب المصلى حيث عثر على 7 قطع نقش على خمسة منها مشهد مؤلف من رب الجبل في الوسط وعلى جانبيه الإنسان – الثور ، وعلى القطعتين الأخريين مشهد مؤلف من رب الجبل في الوسط وعلى جانبيه إنسان برأس أسد وأجنحة أو إنسان برأس نسر وأجنحة ويقف رب الجبل رافعاً يديه إلى الأعلى و ينظر إلى الأمام ويرتدي تاجاً ذا ستة أزواج من القرون وثوباً طويلاً ذا أكمام قصيرة يشده حزام ثلاثي إلى خصره وزين الجزء السفلي من الثوب فوق الأطراف السفلية بأربعة صفوف من الأشكال الحرشفية النافرة التي تشبه حبك الدرع وبزوجين من الجريد ، والشيء الملفت للنظر في صورة رب الجبل هو قدماه اللتان صورتا من الجانب وليس من الأمام كما كان يتوقع ، وترتدي الأشكال المرافقة قميصاً قصيراً وتلتفت نحو رب الجبل وترفع الأيدي إلى الأعلى مقلدةً رب الجبل ، وتمتاز الأشكال بحيويتها وقوتها وببروزها القوي فوق السطوح الملساء المستوية ولشدة بروزها تبدو وكأنها تماثيل تستند إلى جدار أو تقف أمامه ، وبعد استعراض هذه النماذج من منحوتات عين دارة لابد من لفت النظر إلى أن نقوش الألواح قد اقتصرت على شكلين اثنين هما أبو الهول والأسد إضافة على ذلك أن العضادات البازلتية في قواعد الجدران زينت هي الأخرى بهذين الشكلين فما هو الغرض من ذلك ؟ نحن نعلم أن الأسد من حيوانات الربة عشتار فهو رمزها وشارتها في الجناح الشرقي للهلال الخصيب مثلما كان أبو الهول رمزها وشارتها في الجناح الغربي منه ويعتبر رب الجبل من معاونيها ومرافقيها ومن المؤكد أن اختيار هذه الصور كان للإشارة إلى أن هذا المعبد للربة عشتار ومما يعزز وجهة النظر هذه هي العثور على لوحة بازلتية نقشت عليها صورة عشتار المحاربة وتعتبر هذه اللوحة من نفائس المنحوتات في عين دارة ورغم أن الربة مدججة بالسلاح لكنها تبدو بملابسها المتنوعة والمزركشة كأنها عروس .

وختاما لا يستطيع المتتبع لآثار الحضارات السورية المتعاقبة إلا الدهشة من الكم الهائل الذي تحويه سوريا بين جنباتها.

والى اللقاء في زيارة جديدة إلى موقع آخر يروي تاريخ سوريا الحضارة والإنسان



  عدد المشاهدات: 1100

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: